أرشيف

روح ثورة شباب اليمن تحدّ من ظاهرة “الثأر”

لم يكن التوجه إلى العاصمة اليمنية صنعاء في ظروف مغايرة لما تعيشه المدينة في الوقت الراهن ليؤمن لأحمد علي ناصر الشريف، الشاب البالغ من العمر 28 عاماً الحد الأدنى من الشعور بالسكينة والأمان بعيداً عن مخاوفه الكامنة في التعرض لرصاصة باردة تنطلق من فوهة بندقية متربصة يطلقها أحد متعقبيه من قبيلة مناوئة ترتبط مع قبيلته بمنطقة “الجوف”، شرقي البلاد بتاريخ قان من الثارات والدماء .
الشاب الذي هرع من صحراء الجوف مطلع ديسمبر/ كانون الأول المنصرم إلى العاصمة صنعاء للتواري بعيداً عن عيون وبنادق غرماء أسرته قبيل أن يلتحق في منتصف فبراير/ شباط الماضي بساحة التغيير ويصاب بطلق ناري في ساقه اليمنى خلال مشاركته في إحدى المسيرات الاحتجاجية المطالبة بإسقاط النظام القائم، يبدو كأنه تحرر من توجساته المزمنة وأشباح متعقبيه، بعد أن زف إليه أحد أقاربه في اتصال هاتفي كان له وقع السلام على نفسه نبأ إعلان القبيلة المناوئة العفو عنه وإسقاط حقها في استيفاء الثأر منه أو أحد أفراد أسرته بعد أن تناهى إلى علم وجاهاتها القبلية المؤثرة تعرضه لإصابة بالغة خلال مشاركته في إحدى المسيرات الاحتجاجية بصنعاء، وأن غريمهم المطارد تحول إلى “بطل” يتقدم المظاهرات الاحتجاجية .
واعتبر أحمد الشريف الذي لم تثنه إصابته عن مواصلة الاعتصام بساحة التغيير والمشاركة في الفعاليات الاحتجاجية المتاحة له وفق ظروف حالته الصحية الطارئة، في حديث مع “الخليج”، أن ثمة روحاً جديدة جلبتها ثورة الشباب لليمنيين كافة بما فيهم القبائل، حيث تراجعت نزعة الغل والكراهية مقابل حضور محمود لحالة من العفو والتسامح ونسيان تصفية الحسابات المؤجلة .
 وقال: “لقد أنقذتني رصاصة البلاطجة التي أصابت ساقي من رصاصة أخرى كنت أتوقعها في كل لحظة منذ هروبي من منطقتي إلى الجوف للاختباء من غرماء أسرتي، فقد كنت أعيش هاجسها ككابوس معظم ساعات الليل والنهار، لدرجة أنه مرت عليّ أوقات كنت أتمنى أن تصادفني رصاصة غرمائي بأسرع وقت لتنهي عذاب القلق والانتظار والترقب الذي عانيته بشدة، لكن كل شيء انتهى اليوم إلى خير، والفضل بعد لطف ورحمة الله تعالى بي بترقيقه قلوب غرماء أسرتي ليبادروا بالعفو عني وإسقاط ثأرهم مني أو أحد أفراد عائلتي إلى هذه الروح التي جلبتها ثورة الشباب القائمة ضد النظام الحاكم والتي حننت قلوب الناس على بعضهم وغسلت النفوس من الحقد والغل والكراهية” .
مثل أي حدث استثنائي وإنساني جياش بالعواطف الوجدانية أسقطت ثورة الشباب في اليمن استحقاقات العديد من أنواع الثأر القبلية المبيتة لتبدو القبيلة كأنها تخلت عن عنفوان نزعتها التقليدية في الانحياز لخيارات الاحتكام إلى السلاح كوسيلة أكثر حسماً لتصفية الحسابات المؤجلة، الأمر الذي دفع إلى الواجهة بمشاهد استثنائية لحالة غير اعتيادية من الهدوء الذي بات يسود أكثر المناطق المعروفة بكونها ساحات للمواجهات المسلحة المزمنة والدامية بين القبائل، وأحياناً بين أسر متناحرة في القبيلة الواحدة ذاتها مثل “الحدأ” في ذمار و”وادي عبيدة” في مأرب و”السوداء” في الجوف، حيث يتحول الثأر إلى مناسبات تتيح القتل المجاني واستنزاف الدماء والأرواح، في ما تبدو الدولة بأجهزتها الأمنية والقضائية أشبه بطرف محايد يثير تقاعسه المزمن عن المسارعة بفض النزاعات والانتصار لثقافة الاحتكام للقانون والشرع أسباباً إضافية لإذكاء جذوة التناحر القبلي وتأصيل مبدأ الاحتكام لقوة ومنطق لغة السلاح والرصاص الحي .

16 قتيلاً في مواجهات عسكريين ورجال قبائل “نهم”
 
قُتل 16 مدنياً وعسكرياً في مواجهات مسلحة اندلعت بمنطقة “نهم” المتاخمة للعاصمة اليمنية صنعاء، بين قوات تابعة للحرس الجمهوري ومجاميع قبلية مسلحة .
وأكد الشيخ صالح علي عبدالله النهمي، أحد الوجاهات القبلية بمديرية “نهم” ل “الخليج” أن طائرات عسكرية قصفت أمس مناطق داخل المديرية عقب اندلاع اشتباكات مسلحة بين مجاميع قبلية من المديرية وبين قوات اللواء ،101 التابعة للحرس الجمهوري في منطقة نقيل ابن غيلان في منطقة آل صياد، على خلفية رفض قبائل “نهم” السماح للقوات العسكرية بالمرور من منطقتهم لقمع مسيرات احتجاجية بحضرموت، شرقي البلاد .
واتهم الشيخ النهمي قوات الحرس الجمهوري باستخدام الأسلحة الثقيلة في المواجهات التي اندلعت بينها وحدات منها وبين المجاميع القبلية التي تصدت لمرورها من منطقة “نهم”، معتبراً أن شرارة الاشتباكات اندلعت من طرف واحد إثر إطلاق قوات الحرس الجمهوري النار باتجاه رجال القبائل الذين اعترضوا خط سير أفراد اللواء 101 لمنع مرورهم من مناطقهم باتجاه مناطق حدودية متاخمة لمنطقة وادي حضرموت لقمع مسيرات احتجاجية مطالبة بإسقاط النظام السياسي الحاكم .
وعلمت “الخليج” أن اجتماعاً لمشائخ ووجاهات قبائل نهم عقد عقب اندلاع المواجهات بين مجاميع من أبناء المنطقة وتعرض بعض المناطق لقصف الطيران الحربي، أقر طرد قوات اللواء 101 من منطقة نهم والتصدي المسلح لأي محاولات لتصعيد المواجهات المسلحة من قبل قوات الجيش الموالية للرئيس صالح ضد أبناء المنطقة .
ثقافة الثورة السلمية
اعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في علم الاجتماع الدكتور سلام عبدالرءوف الكمالي أن ثمة تراجعاً فعلياً ولافتاً قد طرأ على المعدل التصاعدي لظاهرة الثأر القبلية منذ انطلاق شرارة الثورة الشبابية القائمة ضد النظام في فبراير/ شباط المنصرم، معتبراً أن هذا التراجع المحمود يعود إلى استغراق الاهتمام الشعبي العام لدى الكثير من القبائل اليمنية بالانخراط في التفاعلات اليومية الخلاقة للثورة الشبابية والشعبية القائمة التي أرست خلال سقف زمني قياسي لا يتجاوز ثلاثة أشهر ثقافة “الممارسات السلمية” كوسيلة أكثر فاعلية للدفاع عن الحقوق وانتزاعها، وهي سلوكيات عامة لم تكن معهودة أو شائعة في أوساط المجتمعات القبلية اليمنية التي تهمين عليها نزعه وثقافة السلاح .
وقال الدكتور الكمالي: “منذ فبراير/ شباط الماضي، توقفت معظم الحروب والاشتباكات القبلية التي عادة ما كانت تندلع بين قبائل متنازعة على خلفية قضايا ثأر في مناطق مثل ذمار، مأرب، الجوف، صعدة، شبوة وأبين، والسبب في هذا التوقف الطارئ لنزيف الثأر يعود إلى بروز ما يمكن وصفه ب “الهم العام” الذي استغرق اهتمام معظم اليمنيين بمن فيهم القبائل التي سارع معظمها إلى مساندة ودعم ثورة الشباب والانخراط بشبابها ورجالها ونسائها في ساحات الاعتصام السلمي والالتزام بالعرف الطارئ الذي فرضته الثورة الناشئة والمتمثل في التخلي عن السلاح وممارسة النضال السلمي لإسقاط النظام . ويضيف: “هذه الممارسة في اعتقادي أرست مبادئ سلوكية جديدة من أبرز مظاهرها التراجع اللافت وغير المسبوق لظاهرة الثأر القبلية” .

زر الذهاب إلى الأعلى